أُمي والعيد وأنا !
روى العيد ظمأ الناس إلا ظمئى ، ورفرف بجناحيه في البيوت إلا بيتي ، وسعى في كل الشوارع إلا شارعي ، و أضاء كل القلوب إلا قلبي ، تجاهلني ولم يزرني ، لقد سجلني في قائمة المحرومين من الفرح بقدومه ، فالأرض التي كانت تحملني قد تصدعت ، والباب الذي كان يدخل منه ليسعدني قد أوصد ، والسراج الذي ينير دربي قد كُسر ، حياتي أصبحت بلا حروف وصارت دون أي معلم ، تاهت الأيام عن اسمي ، وجفت الدموع من عيني ، وخار جسدي ، وشاب شعر رأسي بذهابك يا أمي ، تركتيني للعواصف تجرني يمينا ويسارا ، بعد أن كنت صلبا بدعائها لا أتأثر برياح الحياة العاتية ، أصبحت كعود الصفصاف تلعب به أي نسمة هواء عابرة ، بل أصبحت كشجرة خاوية تظل للحزن هامتها حانية بعد انتهاء جذورها وسقوط أوراقها ، أمي قد هجرني الفرح وهجرته ، وهربت الابتسامة مني بعد انشغال شفتي بك وباسمك ، قدماي أصبحتا لا تحملاني ، يبدو كل شيء قد عفته بعد أن عافني ، فأنت يا أمي شريان الحياة لا معنى لها دونك ، فأنت الدم الذي يسري في العروق ، والهواء الذي يستنشقه كل كائن حي ، أنت الجمال الذي يسعى إليه الناظر ، والحب الذي يدب في قلوب كل المحبين ، أنت كل شيء حلو مذاقه تحلو بك الحياة المالحة فتصبح حلوة عذبة ، أنت الود ، والحب الذي ليس له معنى إلا بك ، أمي أعترف بأن لا أحد يشغل قلبي إلا أنت ، قد حاول الكثير ذلك لكنه لم يستطع ، فكيف يحل الملح مكان السكر ؟ وكيف الملح الأجاج يحل محل العذب الصافي ، كثيرا أراد أن يقنعني بأنك قد انتهيت من الحياة وفاضت روحك ، وهذه حقيقة لا بد أن أُسلم بها ، لكن لا أرى ذلك مهما حاولوا معي حتى لو قاطعتني السعادة والبسمة وهجرني كلهم أجمعين ، يكفيني روحك التي لا تغادرني ، وطيفك الذي يحوم حولي ، تكفيني ابتسامتك وحدها ، يكفيني أنني أعيش بحبك ولحبك ، يكفيني لمسة يديك شعر راسي ، التي لم أنسها حتى الآن ، ولولا الصلاة والطهارة ما غسلتها ولا قرب الماء منها حتى لا يذهب عبق عطرها ، معك يا أمي كنت أحس بأنني طفل ذو عامين برغم كبر سني ، كنت لا أحس بالجوع وأنت أمامي ، ولا بالبرد وأنا في حضنك ، كنت أحس بالأمان بحضن يدي يدك ، أمي لقد تكلمت وكتبت كثيراً عنك ، لكني أجد ما استطعت أن أترجم وأُخرج كل ما في قلبي ، أخشى أن تخرج معاني كثيرة منه تكون مخالفة للشرع ، لأني احبك وحبي لكي ليس كأي حب ، مع احترامي لأخي وصديقي وابني وابنتي كل التقدير لكل إنسان أعرفه ، وكذلك الاعتذار موصول لزوجي ، فإنني أجد من الظلم والإجحاف مقارنة حب أمي بحب أي أحد ، فهي التي علمتني كيف أحب كل الناس ، علمتني كيف يكون الكرم ، علمتني الشجاعة ، علمتني أن لا أحمل لأحد ضغينة في قلبي ، علمتني أن لا أكون ظالما ولو كنت مظلوما ، علمتني البدء بالسلام من يخاصمني ، علمتني أن أبذل روحي لصديقي وأخي ، علمتني حب ديني ووطني ، علمتني كل شيء جميل وعلمتني أن أكون مرفوع الهامة واثقاً في نفسي ، علمتني ألا أنظر لأحد بكبر ، علمتني وعلمتني ، ولو جلست لانتهاء عمري ما انتهيت من سرد ما علمتني أياه ، أما الناس فلا يوجد عندهم أي علم يعلموني إياه غير الغدر وحب الذات الذي كانت منه أمي تحذرني . رحمك الله يا أمي وكل عام وأنت بخير ، فأنت ما ذلت في دنيتي ولم تذهبين عني ، صورتك في قلبي ولم ولن تمحى منه إلا بموتي ، والعيد يذهب لأهله لا يهمني هجره لي ، يكفيني أنك معي ولن تذهب من وجداني وقلبي !
محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com
الله الله عليك يا ابو عمر ما اجمل هذه الكلمات وما اهيجها لمشاعرنا جميعا رحم الله امهاتنا احياء واموات
ردحذف