كم احتجت إليك اليوم يا أمي

سقطت الأمة بسقوط الأندلس فلا تتعجبوا إذا سقطت القدس

بقلم : محمد كامل العيادي

منذ وفاة النبي (صل الله عليه وسلم) عام 11ه، ولحق به أصحابه توقفت الفتوحات وتوالت الخسائر، بعد أن عمت الخيانات وانتشرت النعرة الطائفية بين صفوف المسلمين، والفساد والانحراف الأخلاقي ، وتفشي الرفاهية والنعومة، مما جعل الوهن والجبن يملأ قلوبهم، فغفلوا عما يُحاك ضدهم من قِبل أعدائهم.

إذا انتشر السوء بين أي قوم، تفشي الانحطاط وتقديم النفس عن الدين ، واندلعت الحروب الداخلية بينهم، كما حدث مع مسلمي الأندلس عندما استعانوا بنصارى الشمال الأندلسي على اخوانهم المسلمين لتتنامى بذلك قوة نصارى الشمال بقيادة "الفونسو السادس" ليقود بتخاذل المسلمين انتصاراً قوياً عليهم، واسقط غرناطة. ثم سقطت الأندلس في أيديهم عام 1492م، وقُتل ملايين من المسلمين تحت وطأة التعذيب نتيجة محاكم التفتيش في ذلك الحين، لتطوى صفحة أعرق دول الإسلام، وتُنكس أعلام الانتصارات والفتوحات لانشغالنا بالعصبية والقبلية لتضيع الأندلس من أيدي المسلمين بعدما ظلت تحت حكمهم أكثر من  800 سنة، وستضيع الأمة بأكملها إذا ما بقي التخلف سائدا.

  في عام 1922م، سقطت الدولة العثمانية بقيادة السلطان "عبد الحميد الثاني" بعدما أنشأ الصحفي اليهودي " ثيودر هرتزل" عام 1897م، منظمة يهودية عالمية والذي عمل من خلالها على تجمع اليهود في فلسطين لتكون وطنا لهم، مما جعل السلطان "عبد الحميد الثاني" أن يصدر قرارا بمنع هجرة اليهود إلى القدس، فقاموا بخلعه بواسطة خونة بني جلدته ومساعدة يهود الدونمة والجمعيات السرية داخل تركيا وعلى رأسهم "مصطفى كمال أتاتورك"، مما ترتب عليه أن تقرر الأمم المتحدة الانتداب بشكل رسمي على أساس وعد بلفور 1917م، وانسحبت القوات البريطانية من الأراضي الفلسطينية عام 1948م،  وأخلت جميع المناطق التي كانوا يحتلوها وقاموا بتسليمها للجيش الإسرائيلي مع كل الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزتهم، وبذلك تمكن اليهود من كل المناطق الفلسطينية مُعلنين عن دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل"  في 15 أيار من عام 1948م، وازداد نهمها وفتح شهيتها بضعف الأمة لتشن حرباً توسعية في حزيران 1967م، استمرت 6 أيام خسرت فيها الأمة العربية الضفة الغربية وقطاع غزة و شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وتحطم معنويات الجيوش العربية وأسلحتها.

في 2 آب من عام 1990م، قام "صدام حسين" بغزو الكويت ليعلن  بعد يومين من الغزو السيطرة الكاملة على الكويت، مما تكون التحالف الدولي بقيادة أمريكا لكسر هذا الغزو، ومنذ ذلك الحين والعراق في احتلال أمريكي فارسي، ومحاولة السيطرة الفارسية على الخليج العربي لأسباب مذهبية مما جعل الملايين تزهق أرواحهم، ومحاولة تفكيك ثلاث دول مهمة في المنطقة وهي " العراق ، مصر ، السعودية " وذلك بداية لاحتلال 7 دول عربية ، جاء ذلك على لسان "ويسلي كلارك" القائد العام السابق للقوات الأمريكية في أوروبا والقائد العام لحلف الناتو ، والذي صرح عقب أحداث أيلول 2001م، أنه تسلم مذكرة من مكتب وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" أثناء ضرب أفغانستان، تفيد بأنه سيجري احتلال 7 دول في مدة 5 سنوات بداية بالعراق، ثم سوريا، ثم لبنان، ثم ليبيا، ثم الصومال، ثم السودان، ثم تنتهي الحرب في إايران، ولكن العراق عطلت هذا المخطط بمقاومتها، ليأتي تفكيرا آخر ببذر بذرة "داعش" الخبيثة في ارض العراق الخصبة لخلخلة التماسك في صفوف المقاومة، بعد شيطنتهم أمام الداخل والخارج، ويؤكد "لوران مورافيتش" الباحث في معهد راند للأبحاث الاستراتيجية، والذي كان يشغل منصب مستشارا للخارجية الأمريكية ، عبر تقرير نشرته "واشنطن بوست" في 6 آب من عام 2002م،" أن الحرب على العراق مجرد خطوة تكتيكية ستغير وجه الشرق الأوسط والعالم ، أما السعودية فهي هدف استراتيجي، وأما مصر فهي الجائزة الكبرى في نهاية الطريق.

القدس ستظل عاصمة لفلسطين ، وما حدث من إعلان "ترمب" بأن القدس عاصمة لإسرائيل، صرف الأنظار على ما هو أخطر وهو مخطط احتلال الـ 7 دول عربية الذي قال عنهم "رامسفيلد" من قبل، فاليهود بلا شك يقودون العالم الآن وهم ليسوا بحاجة بأن يُعلنوا ذلك  الآن لمجرد الإعلان، فهم يثقون بأن العالم العربي والإسلامي غثاء لا تأثير لهم، بعدما أنهكوهم بحروب الجيل الرابع تحت مسمى الإرهاب وغيره، وكذلك انشغال الأمة بأمور لا قيمة لها أخرجتها من مارثون السباق إلى مدرجات المشاهدة لما ما يؤول أليه مصيرهم، وستقوم الأمة يوما ما على كابوس إعلان دولة "إسرائيل" الكبرى من النيل للفرات، على أنقاض تخلف الأمة وهوانها ورفاتها بعد أن حُرقت بأيدينا وتشرذمنا وخلافاتنا والتي قد سقطت بسببها من قبل الأندلس، وضاعت جميع الفتوحات الإسلامية، وأصبحنا أمة في شك في أمرها أنها لا زالت باقية على قيد الحياة.

Alayadi_2100@yahoo.com