تاريخ الانقلابات .. وهل هي من مصلحة الشعوب؟



ما يروج له البعض من مؤيدي الانقلابات في العالم على مدار التاريخ أنه يأتي لحماية الشعوب من ويلات القهر و تقييد الحريات، وإرساء قواعد عيش حرية عدالة اجتماعية، هذا شيء غير واقعي وليس صحيحا، لأن هذه الانقلابات لا تأتي عادة إلا في البلاد والدول الأكثر استقرارا والتي عرفت طريق التقدم والرقي وصُنع طريق ممهد للحضارة الإنسانية واحترامها، وإحياء فكرة أن الشعب هو شريك أصيل في مقدرات بلده ومن حقه العيش فيه عيشة كريمة محترمة، تاريخ الانقلابات تقول أنها تأتي لدحر الشعوب ومحاصرتها في المشاكل والويلات والديون التي تنهك كاهله، حتى يُذعن ويسلم و يرضى بالأمر الواقع حتى ولو كان مُذلا بحثا عن قوته وقوت أولاده، مبتعدا عن السياسة وصناعة القرار.

لا شك أن أي انقلاب عسكري مهما كان مفيد، فهو انقلاب على الديمقراطية حتى ولو كنا نفترض جدلا انه ديمقراطيا، فلا يمكن تقبل فكرة الديمقراطية آتيه من انقلاب على شرعية حتى ولو كانت هذه الشرعية غير عادلة، فمن يأتي بالصندوق يرحل به لا بغيره، وهناك بعض البلاد التي حدثت فيها انقلابات على الشرعية بتدخل مخابرات عالميه واضحة.

 في جواتيمالا أتت ثورة 1944  بالرئيس المنتخب " ارفللو بميجو " بعد خلع الديكتاتور "خورخي اوبيكو كاستنيدا" الذي ساهم في إفقار بلاده وتجريفها وبيع أراضيها للشركات العالمية مثل " يونايتد فروتس" التي كانت مملوكة لساسة  وعسكريين أمريكيين والتي استطاعت  امتلاك ما يقارب أل 45% من أراضي جواتيمالا، واصبح الشعب عمالا في شركاتهم بمثابة عبيد، وفي عام 1950 جرت الانتخابية مما أدت إلى وصول " جاكوبو اربينز " للحكم وفتح باب الحريات بشكل واسع وسخر كل جهده في تحرير بلده من قبضة يونايتد فروتس فأقر قانون الإصلاح الزراعي لينهي على هذه القبضة، مما أدى الى تهديد مصالح الشركة فبدأوا بالضغط على الحكومة الأمريكية للتدخل لإسقاط " اربينيز" وفعلا قاموا في 1954 بالانقلاب عليه في جواتيمالا.

ومن جوايمالا إلى إيران ففي عام 1954 حدث انقلاب على محمد مصدق رئيس الوزراء الذي اختياره بأغلبية البرلمان مشفوعا بدعم الشعب الإيراني، بعد وصوله للسلطة في انتخابات 1991، وقد ادخل إصلاحات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا محاولا هو وحكومته أن يوفروا عيشة كريمة لشعبه وعدالة اجتماعية وإنهاء هيمنة شركة النفط الأنجلو إيرانية (بريتش بيتروليم ) الذي تسيطر عليه بريطانيا منذ 1913،واعطائه لمستحقيه وهو الشعب الإيراني، وهذا ما أغضب أصحاب المصالح وعدم استقرار البلاد وحريته. 

في عام 1961 تم الانقلاب العسكري في الكونغو الديمقراطية وقتل الرئيس الشرعي "لوموبا" بعدما تم القبض عليه من قبل قوات درك كتانغا ، اثناء هبوط  طائرتهما في مطار اليزابثفيل ، وتم نقله هو ومرافقيه حينها وهو نائب رئيس مجلس الشيوخ "جوزيف اوكيتو" وكذلك وزير الإعلام حين ذاك "موريس موبولو" وتم نقلهم إلى سجن بلجيكي والذي تم إعدامهم بعد بضع ساعات فقط من الانقلاب، وبعد إعدامهم قطعوا أجسادهم لقطع صغيرة وأذابوها بحمض الكبريتيك حتى لا يكون للحرية أي أثر ، واستولى على الحكم الجنرال" موبوتو سيسيكو" والتي لا تعرف منذ توليه حتى الان الكونغو أي استقرار سياسيا أو اقتصاديا بل ما زالت تدفع من مقدرات الشعب وثرواته الطبيعية لفتك الشعب واستعباده.

انقلاب أخر على زعيم الحزب الثوري الشيوعي الدومنيكاني عام 1963" خوان بوش" الذي وصل السلطة عن طريق انتخابات حرة عام 1962، وعلى اثره بدأ الصراع بين الجيش والطبقة الراقية وبين الرئيس المنتخب ديمقراطيا وانتهى الصراع بالانقلاب عليه بعد تسعة اشهر فقط من توليه المنصب بدعوى سيطرة الشيوعية على الحكومة.

وفي 15 يوليو 2016 تمت محاولة انقلاب في تركيا على الرئيس المنتخب " طيب اردوغان" الذي جعل بلاده في تطور سياسيا واقتصادي الجميع يشهد به وأصبحت أقوى 11 اقتصاد في العالم، فإذا تكلمنا عن الناتج القومي فهو في عام 2013 كما قالت بعض الإحصائيات أنها قاربت التريليون ومائة مليار دولار وهذا يساوي مجموع الناتج المحلي لأقوى اقتصاديات ثلاث دول في الشرق الأوسط وهي السعودية والأمارات وايران فضلا عن سوريا والأردن ولبنان، وبهذا قفز بتركيا من المركز الاقتصادي 111 إلى المركز 16 بمعدل 10 درجات سنويا، وهذا يعني دخوله نادي مجموعة العشرين الأقوياء " جي 20 " في العالم، وقد اعلن بقيام دولة تركيا الحديثة عام 2023 لتصبح الدولة الاقتصادية والسياسية في العالم، وتفريغ 300 الف عالم للبحث العلمي، وهذا بالطبع إعلان كفيل أن  يلاقي منه المتاعب الدولية التي تقف أمام استقلال الشعوب  قرارا بامتلاكها الاقتصاد القوي.

قامت حكومة اردوغان بتطوير مطار إسطنبول الدولي حتى اصبح يستقبل في اليوم الواحد 1260 طائرة، وحصلت الخطوط الجوية التركية على افضل ناقل جوي في العالم ثلاث سنوات على التوالي " هاتريك "، قامت تركيا بصنع أول دبابة مصفحة، وأول ناقلة جوية، وأول طائرة بدون طيار، وأول قمر صناعي عسكري حديث متعدد المهام، بنت حكومة اردوغان 125 جامعة جديدة، وما يقارب 200 مدرسة، وجعلت حكومته الدراسة مجانية في وقت رفعت فيه الجامعات الأمريكية والأوربية بل والعالمية الرسوم الجامعية، قامت حكومة اردوغان برفع ميزانية التعليم والصحة فاقت ميزانية وزارة الدفاع، قامت برفع مستوى المعلم مما جعل راتبه يوازي راتب الطبيب، قام ببناء ما يفوق إل 500 مستشفى لمعالجة الشعب، اصبح دخل الفرد التركي 11 الف دولار بعدما كان لا يتعدى إل 4 الاف دولار سنويا، وارتفعت الرواتب والأجور 300% ليكون راتب الموظف يتغير من 350 ليرة إلى 960 ليرة تركية، مع انخفاض نسبة البطالة من 38% إلى 2%، انشأ ما يقارب من 40 الف قاعة مختبر لتكنولوجيا المعلومات لتدريب الشباب، سد عجز الموازنة البالغ 47 مليار، قام بسداد أخر دفعة للديون التركية وهي 300 مليون دولار للبنك الدولي في يونيو المنصرم، بل وقامت بقرض البنك الدولي ب 5 مليارات دولار أي تحول من مدين إلى دائن، تم وضع حوالي 100 مليار في الخزينة العامة في وقت تخبط الاقتصاد العالمي وشبح الإفلاس، تحولت صادرات تركيا من 23 مليار إلى 153 مليار لتصل إلى ما يقارب إل 190 دولة في العالم، وصول الكهرباء إلى ما يقارب إل 100% من منازل الأتراك في المدن والأرياف بعدما استخدمت حكومته عملية تدوير القمامة وتوليد الكهرباء، قام اردوغان بإعلاء صوت الدولة العثمانية مرة أخرى بوضع صورة السلطان العثماني محمد الفاتح مكان صورة كمال الدين أتاتورك مؤسس العلمانية في تركيا، محاولة إنهاء نزيف الدم مع حزب العمال الكردستاني وإحلال السلام .

التاريخ يقول أن من يأتي لتحرير شعبه لا بد أن يرحل، فلا بد أن تبقى الدول بشعوبها تابعة وليس مستقلة لذا من يخالف ذلك فالانقلاب بانتظاره، وبكل تأكيد هناك شعوب تقبل ذلك وشعوب أخرى ترفض ، فالشعوب التي ترفض وتقف أمام الانقلاب هم شعوبا تؤمن بالديمقراطية وتحولها الطبيعي وليس غير ذلك، عاشت الشعوب الحرة.

محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!