الساسة وما وراء الأبواب المغلقة


المحاكاة والمعارك خلف الأبواب المغلقة في غرف الساسة تختلف كثيرا عما يدور خارجها، الجميع يعرف هذا جيدا ومذكرات الساسة وأصحاب المناصب السيادية تحكي هذا بوضوح، وكذلك كتب التاريخ، وما يجري في الشرق الأوسط  وإدارته من خلف تلك الأبواب المغلقة الأمريكية والتي تعتبر من أولويات استراتيجيتها منذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية تبين ذلك بوضوح، وتشبع رغبتها في التوغل أكثر في العالم وهذ لا يتم إلا بوصول أذرع "السي أي أيه" في دول الخليج العربي وكافة الدول  خاصة التي لها حدود مع إسرائيل ذلك الحليف الاستراتيجي لها و تقسيم الوطن العربي لاعتبارات جيواستراتيجية وعسكرية، وقد تمكنت اذرع هذا الأخطبوط  المخابراتية الوصول إلى جميع الدول العربية خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي كان مخططا له منذ الستينات كما صرح بذلك رئيس وزراء بريطانيا ( هارولد ماكميلان ) أن العراق هو الجائزة الحقيقية فيما يتعلق بالاستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط، وهذا قد بان جليا بالغزو 2003 الذي دعمته بريطانيا ممثلا في توني بلير رئيس الوزراء ذلك الوقت  ومعها بكل قوة الصهيونية العالمية.
وجدت المخابرات الصهيوامريكية جعل الإسلام العدو الأكبر للحرية والديمقراطية وعليه جرى بناء كيان وهمي يحمل الهوية الإسلامية المتشددة لتمرير ضربه وبه تدمير أي بلد هو على أرضه، بعد إتمام بناء معالمه تماما ، وهذا لا يتم إلا  بقيام داعش بعمليات منافية للأخلاق وكل ما هو يسيء للإسلام من قتل وتعذيب وخطف، وانتشر ذلك الأخطبوط الذي لفت انظار العالم بسرعة البرق رغم عدم تجاوزه على الساحة بضعة أعوام، لكنه استطاع التوغل وأعلان قيام الخلافة الإسلامية في عام 2014 في سوريا والعراق، وبذلك قد أعطى العالم اجمع مشروعية محاربة هذا الفكر المتشدد المتخلف بتحالفات ضده  من إيران وأمريكا في العراق ، وروسيا مع ايران أيضا في سوريا، ونلاحظ أن ايران عامل رئيس في كل مكان وهذا له دلالة كبيرة، وهو القضاء على الإسلام السني بدعوة القضاء على داعش ذلك المارد الوهمي، والفلوجة والرقة خير دليل على ذلك حيث الإبادة الجماعية دون رحمة، وبهذا يكون الاسلام السني ذاق الويلات من داعش  من جهة تحت مسمى تطبيق الحدود، ومن ايران والحشد الشعبي تحت راية التطهير العرقي من جهة أخرى، لتدور رحى الفتنة لتطحن بين رحاها الجميع.

والمشهد في سيناء لا يختلف كثيرا عمن سواه في العالم العربي وفيها تحاول إسرائيل أن تزج بنفسها في المشهد بأي طريقة ودلل على ذلك خروج المحلل العسكري الإسرائيلي " رون بن شاي " مدعيا أن الجيش العسكري شن عدة هجمات في سيناء، لمساعدة القوات المصرية في القضاء على تنظيم داعش، وهذا التصريح في حد ذاته فتنة عظيمة وهو بكل تأكيد تصريح مبالغ فيه، ومحاولة تقزيم مصر قائم على قدم وساق حتى يتيح لإسرائيل قيادة المنطقة كما كان يتمنى شمعون بيريز عندما قال لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة خمسون عاما، فليجربوا قيادة دولة إسرائيل، يبدو أن مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي نوهت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان في الحرب الأخيرة أنه سيولد من رحم هذا الحرب، وهذا ما تسعى اليه أمريكا جاهدة أن تفتت العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة كما كانت عليه قبل الفتح الإسلامي حتى تستطيع التحكم فيه، بتقسيم  مصر إلى دويلات منها فرعونية ونصرانية وكذلك سورية فيها دويلة آرامية وأيضا دويلة أشورية بابلية في العراق أما لبنان فيكون فيها دويلة فينيقية، وتبقى إسرائيل الدولة الوحيدة العظمى في المنطقة مدعومة  سياسيا وعسكريا من أمريكا ، بعد نجاح تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات مترهلة.

يبدو أن المخابرات الأمريكية تعمل جاهدة لإسناد  مهمة  تنفذ مخططاتها الاستعماري في الشرق الأوسط عن طريق إسرائيل، خاصة أن أمريكا مشهود لها بفشلها في المواجهة المباشرة كما حدث في أفغانستان وأخيرا العراق التي أسندت المهمة بعد فشلها لإيران، وإسرائيل لدولة لبنان والذي نوه عنه "بول كريغ روبرتس " أن أمريكا تحاول تحطيم أي اثر للاستقلال العربي الإسلامي، ورأينا محاولتها بالحروب الأخيرة المتكررة فيها.
إن لم يعي العالم العربي والإسلامي التاريخ جيدا فإنه سيمر بويلات أكثر وأكثر به ستساعد على تنفيذ مخطط الصهيو أمريكي الذي به يتم التفتيت وعلى أنقاضه تقوم الدولة المزعومة إسرائيل الكبرى التي وعدوا به في التوراة على حد قولهم، وستظل المشاكل في الشرق الأوسط من غلاء ووباء وانقلابات وتوترات إلى أن يصلوا غلى مبتغاهم، فإلى ذلك الوقت نحن ننتظر هل سيجيز مرورهم عبر الخلافات والأحقاد ، أم سيستيقظ  الشرق الأوسط من ثبات نومه العميق قبل فوات الأوان.
محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!