أزمة القطارات إلى أين؟


بقلم : محمد العيادي
ما نتعافى من ألم إلا وتداهمنا آلام أخرى أشد وأفظع ، وصحيح أن كل ما يجري في الكون هو من أقدار الله، لكن هذا لا يبرئ ساحة البعض من الإهمال والاستهتار وعدم تحمل المسئولية خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأرواح الناس ، التي نجدها رخصت ولم يعد لها أي قيمة؟  وحوادث القطارات في مصر عمت بها البلوى وتحولت إلى ظاهرة خطيرة تحتاج إلى وقفة ومحاسبة وعقاب ، وفي مثل حوادث القطارات ووقوع الضحايا لا ينبغي أن يقتصر الأمر على محاسبة السائق أو عامل التحويلة فقط ، أو القاء المسؤولية على "كبش فداء" و "يشيل الشيلة كلها ونخلص"، لابد للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة من محاسبة المنظومة بأكملها، فليس من المعقول أبدا أن تفجعنا حادثة تلو الأخرى ، و يموت فيها أناس كل قدرهم أنهم لا يستطيعون دفع أجرة السيارات، ورماهم  قدرهم إلى قطار يقوده رجل يتعاطى الترمادول !!، ناهيك عن حالة القطارات المزرية والتي لا تصلح لشحن الحيوانات ! فلماذا لا تتم دراسة هذه المشكلة بجدية ؟ ولماذا تظل خطوط السكك الحديدية مهملة ومتخلفة ولا يوجد مثيل لها في العالم؟!
ليس من المعقول أن تستسلم دولة كبيرة بحجم مصر لمثل هذه المشكلة البسيطة، التي تحصد أرواح كثيرة من البشر، جُلهم من "الغلابة " تلك الطبقة الكادحة، العاملة لفترات كبيرة لإيجاد ما تسد به رمقها ورمق أسرتها، هذه الطبقة التي "تفيرست" بفيروس الإهمال الذي أصبح يحصد أرواحهم، كما يحصده "فيروس سي"، أصبح المسئول غير عابئ بما يخلفه من بؤس وشتات لذوي الأبرياء الذي يتم حتفهم في هذه الحوادث، ولا معين لهم بعد الله إلا ربهم الذي أفضت روحه في حادثة من حوادث القطارات، وحسب الإحصائيات منذ أوائل التسعينات قتل جراء هذه الحوادث ما يقرب من 1500 فرد، غير المصابين، ففي عام 1993 نتج عن تصادم قطاران قتل 12 فرد وإصابة 60، وكنا نتمنى أن يكون الأخير لنستيقظ على خبر مفزع في ديسمبر 1995 بتحرش قطار بمؤخرة قطار أخر لينتج عنه 75 قتيل وإصابة المئات، وفي عام 1997 ونتيجة خلل من العاملين على التحويلة والمسئولين عن الإشارات خرج القطار عن مساره مما أدى إلى مقتل 11 قتيلا والعديد من الإصابات، وفي أكتوبر من عام 1998 اصطدم قطار بالقرب من الإسكندرية بأحد المصدات الإسمنتية مما أدى إلى قتل  50 فردا وإصابة ما يقرب من 100، وفي عام 1999 تكرر الاصطدام  بين قطار متجه من القاهرة إلى الإسكندرية بشاحنة نقل وخرج عن القضبان ليحصد 10 أرواح أخرى ويضع اكثر من 50 الفراش، وفي فبراير 2002 في حادثة العياط  راح ضحيته اكثر من 350 روح والذي اختلف البعض حينها في عدد القتلى ، وتوالت الأحداث 2006، إلى أن وصلنا للحادث الأليم منذ يومان الذي وقع بالقرب من قرية العوايد بالإسكندرية وكانت حصيلته ما يقرب من 50 فرد وإصابة العشرات، ولا ندري سيكون هذا أخر حادث أم سيكون حلقة من حلقات الموت.
صحيح أن حوادث القطارات هي الأكثر حوادث شيوعا بل واخطرها على الإطلاق، وفيها الخسائر تكون كبيرة سواء بشرية أو مادية، وهي ليست في مصر فحسب ولكن على مستوى العالم، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، حادثة "جواد الاخار" بالمكسيك عام 1915 وفيه قتل اكثر من 600 شخص، وفي عام 1981 في الهند ايضا في حادث قطار"بيهار" قتل 800 شخص، وحادث "اوفا" بروسيا عام 1989 تم انفجار قطاران عند مرورهما بجوار تسريب غاز مما أدى الى قتل اكثر من 600 شخص واحترقا القطاران بالكامل، وفي "سانت ميشيل دي ماوريني" بفرنسا عام 1917 قتل 1000 جندي نتيجة عطل في الفرامل الذي ادى الى عدم استطاعة التوقف وخروجه من على القضبان، وفي عام 2016 تصادم قطارين في ولاية "بافاريا "جنوب ألمانيا تسبب في قتل 9 اشخاص واصابة العديد من الأفراد، لكن لا بد من سؤال انفسنا ماذا فعلنا لننهي هذه الظاهرة القاتلة؟، على المسئولين العمل بجدية على إصلاح منظومة السكة الحديد رأفة بمصر واهلها، وليس من المعقول بعد هذا الكم الكبير من الحوادث لم نجد الآلية للحد من هذه الظاهرة.

حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!