تطرف الراديكالية الإسلامية




ماذا يعني مصطلح الراديكالي؟ وهل الإسلام راديكالي؟ هل الراديكالية تعني التطرف؟ لماذا الإصرار على نعت الإسلام بالتطرف مع أن من ينعته يدرك أنه ليس كذلك؟ هل من يتطلع لتغيير أمته للأفضل يكون راديكالي متطرف؟.
الراديكالية في المعجم اللغوي تعني الأصل أو الجذر، والجذريون هم الذين يتطلعون إلى تغيير النظام الاجتماعي والسياسي من جذوره، وكذلك في تعريفات أخرى تعني التطرف، لأنها تنشد إحداث تغيرات متطرفة في الفكر والعادات السائدة والأحوال والمؤسسات القائمة، ولو عدنا قليلا إلى الخلف لوجدنا أن الراديكالية قد ظهرت في بداية الأمر عندما رفض رجال الكنيسة الغربية فكرة التحرر السياسي والفكري والعلمي في أوروبا مُصرين على الأصول القديمة متمسكين بها، لذلك اطلقوا عليهم راديكاليين بعد هذا التوجه الصلب المتطرف الهادف للتغيير الجذري للواقع السياسي، وكذلك وصفها قاموس لاروس الكبير على أنها كل مذهب متصلب في موضوع المعتقد السياسي.
 واصطلاحاً نجد أن الراديكالية تعني نهج الأحزاب والحركات السياسية التي تنشد الإصلاح الشامل والعميق في بنية المجتمع، خلاف الليبرالية الإصلاحية التي تكتفي في نهجها على تحقيق بعض الإصلاحات في واقع المجتمع وليس من نهجها الإصلاح الجذري، أي أنها بهذا تكون على تقاطع مع الراديكالية أي ليست متطرفة، أما الراديكالية المتطرفة في رأيهم هي التي ذات نزعة تقدمية ونظرة شاملة تتناول مختلف ميادين السياسة والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وكل الأمور الحياتية، بقصد التغيير الجذري في بنيته لنقله من التخلف إلى التقدم والتطور، وهذه نفس النظرة التقدمية في الإسلام، وليست فلسفة سياسية تؤدي إلى مظاهر الجور والظلم واجتثاث فئة من المجتمع، واي منصف يرى أن هذا ليس تطرفاً، ونسأل العارفين  بهذه التعريفات بماذا يُصنف الإسلام السياسي؟ وهل يُحسب على الراديكالية بمعناها الحقيقي أم المختزل؟ ولو نظرنا للمعنى الحقيقي لوجدنا أن الإسلام يُحسب على الاعتدال وليس على التطرف، فالإسلام قائم على التعايش والتسامح، فلم يَجُرْ ولم يمنع احداً في دخول بلاده مهما أختلف معه.
إنَّ من يسعى إلى تحقيق ضرورات وحاجات الإنسان، وتغيير حاله من الأسوأ إلى الأفضل بغض النظر عن دينه لا يكون متطرفا ، ويُعد تصنيفه ارهابياً مجرد ادعاء باطل . كما أنَّ الإصرار على نعت الإسلام بالتطرف غير مُنصف، فلا نُنكر أن لكل قاعدة شواذ، ولكن ليس من المنطق أن يُنظر لكل القاعدة على أنها شاذة، وهنا سؤال يطرح نفسه، هل انتشار الإسلام في العالم يسبب قلقاً كبيراً لأي حضاراة أخرى؟! فإن كان الجواب بنعم، فالصراع يكون في الثقافة والفكر وليس في غيرهما؟. يبدو أن هذا الصراع الذي يعتقدونه بأن الاسلام السياسي سيقود العالم نحو الدمار ورأوا أن عليهم محاربته، وقد ألمح بذلك الخطر "جورج فريدمان" في مقال له على موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" ( أن وجود دولة موحدة ومتكاملة ذات مجتمع صناعي حديث تحكمها الشريعة الإسلامية تكون قادرة على إبراز قوة عالمية قد تسبب توترات بين النظام المحكوم بالشريعة والقوى العالمية )، ومن المؤسف أن يختزل " فريدمان"  بفكره هذا توجه العالم الإسلامي في مسميات وهمية مثل الدولة الإسلامية ، وداعش، والإسلام المتشدد، والسنة والشيعة لإثارة الفتنة بين المسلم والمسلم حسب المذهب، وساعدته في ذلك ايران بنزعتها الفارسية التي تدعي الإسلام وفي نفس الوقت تعمل جاهدة على استئصاله نهائيا من الوجود. ووضح ذلك جليا منذ غزو أمريكا للعراق وسقوط صدام حسين، إذ بدأت ايران في مد نفوزها بمساعدة أمريكا في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت راية محاربة الراديكالية الإسلاميه، وهذا يبين اعتماد امريكا نظام الحروب بالوكالة.
 الصراع بين العالم الإسلامي وأوروبا المسيحية، كما قال "فريدمان" (أنه ظهرت قوة إقليمية واسعة وضخمة، في وقت كان المسلمون يسيطرون على حوض البحر المتوسط وتُهيمن على شبه الجزيرة الأيبيرية وتمددت تجاه فيينا، وفي شبه القارة الهندية وجنوب شرق أسيا وأصبحت السيطرة سجالا بين المسلمين وخصومهم، ومنذ القرن الثامن عشر تقريبا بدأ ميزان القوى يميل نحو الأوربيين، وغزت الإمبراطوريات الأوربية المسيحية العالم بما في ذلك العالم الإسلامي، واستطاع الهولنديون في إندونيسيا تحطيم الإسلام السياسي في جزر الهند الشرقية، وتغلبت الإمبريالية البريطانية والفرنسية على الإسلام السياسي في جنوب أسيا وشمال أفريقيا، وفرضت الإمبراطورية الروسية قوتها في القوقاز ووسط أسيا، ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية اجتاحت أوروبا الشرق الأوسط، وفرضت الإمبريالية الأوروبية قوتها السياسية على المسلمين، لكنها لم تستطع أن تحطم المبادئ الدينية التي قام عليها الإسلام السياسي، وهنا لم يعد المسلمون قادرون على التعبير عن انفسهم كقوة سياسية وسط السيطرة الأوروبية، لكن جوهر الدين لم ينكسر).
 نجد أن الصراع باق ودائم ومتجدد خاصة بعد ظهور الإسلام السياسي مرة أخرى وبقوة  ليعود إلى مكانته التاريخية،  يقابله  محاولات مستميتة من الغرب  لإبعاده مره أخرى عن المشهد، بكثرة الضربات الموجعة لافقاده الثقة في نفسه، وتضمحل ثقة الجميع فيه، خاصة بعد الثورات ومحاولته إعادة بناء نفسه، فكان هناك محاولة لاستخدام ايران وإسرائيل في  كسر هذه الثقة في العالم الإسلامي المتنامية في ذاته، وعودته إلى ما كان عليه في عام 1954  ذو روح منقسمة، برسم إحداثيات إرهابية جديدة يبرع فيها الموساد لتشويه صورة الإسلام السياسي.
إن العالم الغربي هو الذي يحاول خلق العداء تجاه المسلمين وليس العكس،  ونظرة الرئيس الأمريكي الجديد " ترمب " في التعامل مع الدول الإسلامية كأعداء وبين ذلك بوضوح قراره بمنع دخول 6 دول عربية إسلامية بالإضافة إلى ايران، هذه هي الراديكالية بعينها التي تساعد في نشر العداء للمسلمين في أوروبا، وقد ارز عن ذلك القرار أولى الأعمال العدائية ضد المسلمين في كندا وقيام بعض المتطرفين بقتل المصلين.
 إن محاولة إفقاد العالم الإسلامي الثقة لأن يعيش بحرية وعدالة اجتماعية في ظل الإسلام السياسي، وانه لن ينال أي حق من حقوقه إلا بالارتماء في أحضان الغرب ، والسير على الدرب الذي يرسمونه  له، والعمل بما يخططوه له، ولا رأي إلا رأيهم، ولا مساواة إلا بعدالتهم، ومن يعارض  أفكارهم فهو راديكالي متطرف أو اسلامي متخلف، أي ينبغي على العالم الاخر أن يرضخ لشروطهم وينهج نهجهم لينال الرضا، لا شك أنها ستكون محاولاتهم يائسة بائسة وستبوء بالفشل إن توفرت الإرادة والإيمان والثقة بالنفس.
محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!