الملوخية أم الديمقراطية ؟


الديمقراطية كانت في الثقافة اليونانية القديمة، ثم تجسدت في العصور اللاحقة في الفكر السياسي الغربي ، واتخذت نشاطاّ نضالياّ بين الحاكم والمحكوم ، إذن يوجد نضال ،ولا تأتي الديمقراطية على طبق من ذهب ، ولا يمكن أن يمن عليك أحدا بها ، فالثقافة لا تعطى هبةّ ، فنجد على سبيل المثال أن أمريكا لم تعرف الديمقراطية إلا بعد استقلالها عام 1776 وتجسدت في إعلان حقوق الإنسان وحريته ، رغم أنها بعيدة نسبياّ عن ذلك لاقتصار ترشيح الرئاسة على فئة بعينها من الشعب ، وبعدها انفجرت ثورة فرنسا معلنة حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 ، إذن نجد حركات نضالية وثورية للحصول على الحقوق والمواطنة ، ونجد أن الديمقراطية الليبرالية وهي شكل من أشكال الديمقراطية النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة ملتزمة بدستور يحدد بدوره حريات الأفراد وحقوقهم وأيضا حريات الأقليات وتسمى كذلك الليبرالية الدستورية ، وعكسها الديمقراطية غير الليبرالية التي لا يتم فيها احترام الحريات الفردية ولا حقوقهم ،كما نجد أيضا الديمقراطية الاشتراكية فهي منشقة من الأفكار الاشتراكية والشيوعية في إطار تقدمي وتدريجي ودستوري والعمل على التغيير من خلال المؤسسات  عوضا عن التغيير الثوري المفاجئ ، ويعتمد المنهج الديمقراطي على أن الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات الشرعية ، وانبثاق السلطات بواسطة الانتخابات ، والإقرار بالأغلبية بأن تحكم وللأقلية بأن تعارض ، وكما توجد التعددية الحزبية ، وتداول السلطة ، ولا بد من مراقبة الحكام وممارسة التأثير فيهم ، وفصل السلطات ، وضمان حريات المعتقد والتعبير والعمل النقابي ، والحفاظ على مصالح الضعفاء والأقليات ، وأخيرا احترام حقوق الإنسان ، هنا طرأ في ذهني سؤالا، سألته لنفسي أولاّ ، الملوخية أحسن أم الديمقراطية ؟ فوجدته سؤال محيراّ في عالمنا العربي ، فقلت أستعين بمن حولي ، فمنهم من قال الملوخية ، ومنهم  من قال إن الاثنين تزحلقان، وهذا تعليق أعجبني جداّ ، فالشعوب العربية مغلوب على أمرها ، فضيق العيش جعلهم لا يفكرون في شيء ، فرغيف العيش هو الأساس في حياتهم ، فلم إذا وجع الرأس ، فلا يفرق معهم ديمقراطية أكثر ما يفرق معهم وجود الملوخية ، وعندما تناقشهم في ذلك ، سرعان ما يتفلتون خوفا من التمادي في الكلام في السياسة ، مع أني أؤمن بأن الصعود لا بد له من تعب ، والحرية لا بد لها من تضحيات بالنفس والمال والجهد ، ولو اضطهدت وتشردت ، فالمضحي يخسر ليكسب الأخر ، يسهر ويتعب لينام ويرتاح الآخر،إذن كيف تكون تضحية إلا بهذا الشكل ، طالما كانت الديمقراطية من صنع البشر ، فإن حق التشريع للشعب ، فمن الطبيعي أقبلها أو أرفضها ، استطيع تقديم الرأي للإضافة عليها أو الحذف منها ، أما إذا قورنت بالإسلام فلا احد يستطيع التدخل أو الإضافة لأنه يمتاز بخصائص أهمها الحاكمية لله والسيادة للأمة والدولة الإسلامية واحدة في المبادئ متعددة في الأشكال حسب الزمان والمكان وقد سبقني في هذا كثير من الكتاب ، وقد رأي الأستاذ حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه لا يمكن الحفاظ على الأمن القومي إلا من خلال حرية التعبير، وأن حق تشكيل الجماعات والأحزاب لن يتحقق إلا من خلال حق التعبير لقوى المجتمع المدني، ورأى أن المخاطر التي تهدد حرية التعبير إنما هي نابعة من مصالح القوى العظمى على المستوى الدولي وغياب نظام دولي ديمقراطي ،وقد أدلى الأستاذ إسماعيل سراج الدين بدلوه حيث قال إن من يريد الحرية عليه أن ينتزعها بل عليه أن يدفع ثمنها وهذا هو السبيل الوحيد لحرية التعبير. وأضاف انه يجب علينا أن نهتم بغرس هذه القيم في الشباب، وأنه ليس هناك مجال للشك أن الانعاش الثقافي الفكري سببه السماحة بين الشعوب وبين أفراد المجتمع الواحد التي بدورها تدفع للمزيد من الانجازات الثقافية.
 أما إذا صارت السفينة عكس هذا الاتجاه تكون حينها الملوخية أحسن من الديمقراطية .

محمد العيادي

Alayadi_2100@yahoo.com
ملحوظة : هذا المقال كتبته ايام عهد الرئيس السابق حسني مبارك

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!