لحظة صدق !



أحسستُ في يومٍ أنني راحل فنظرتُ إلى أوراقي فإذا هي مبعثرة ، حاولت ألملمها لترتيبها ولكنني كنت حائراً تائهاً لا أدري من أين أبدأ ،بهذه أم تلك من هنا أم من هناك ، وجدت تفكيري قد بُعثر أيضا كأوراقي ، فجلست على ركبتي جلسة المنهزم ودموعي تنهمر من عيني ، كل الأشياء صارت مُبعثرة الكبير والصغير القاسي والداني الغالي والنفيس ، حتى أحلامي  التي كنت أظنها مرتبة اكتشفت أنها مبعثرة ، أفراحي التي كنت أتجول بالسعادة فيها اكتشفت أنها مزيفة ومبعثرة ، الحب الذي ضيعت عمري من اجله اكتشفت أنه أكذوبة ،فكذبت نفسي وقلت لا إلا الحب فلا بد أن أجده بين الأوراق المبعثرة ، فلمحت هناك ورقة حمراء وأخرى بيضاء ووجدت على كل ورقة منهما حروفاً حاولت أجمعها لأقرأها فلم أستطع ، قلت إذا سأحاول مرة أخرى لأجدها حتى مللت واكتشفت بأنها لا أصل لها بين أوراقي المبعثرة ،فبكيت مرة أخرى على نفسي  وعلى كل هذه الأيام التي ضيعتها ، فخارت قواي وفُقد الوعي حينها وظللت كذلك حتى أفقت مرة أخرى ، فحاولت النهوض من كبوتي فلمحت ورقة يقلبها الهواء ، فانحنيت كي ألتقطها فرجفت يدي ، فحاولت مرة ثانية فحملتها الريح بعيدا عني وكأنها لا تريدني واستسلمت للرياح تحملها هنا وهناك ، فأصررت حتى مسكتها يدي ، قرأتها وجدت فيها مولدي ومعها ورقة كتبتها ذات يوم عن طموحاتي وأن الإنسان لا يستسلم أبدا مهما كان الألم  ، فنهضت مسرعا وكلي قوة بعد أن دب الأمل في حياتي مرة أخرى، قلت لنفسي أول شيء أفعله هو صلاتي التي نسيتها ، أقاربي الذين تجاهلتهم وأرحامي الذين نسيتهم بل وقاطعتهم حتى أبي وأمي فقد نسيتهم جميعاً ولا أعرف حتى أرقام هواتفهم لا بد أن أذهب إليهم لأقبل أيديهم بل سأقبل أرجلهم وأطلب منهم السماح  ، هممت ورجعت من هجرتي إنساناً جديداً يعرف الحقوق والواجبات ، فالمصحف لا يفارقني وبسمة الأمل رسمت على وجهي ، وأحسست أنني أنا السعادة نفسها حتى وصلت إلى بيتي سألت ..أين أبي ؟ فصمت أخي الذي لم يعرفني من أول وهلة إلا بعد ما عرفته بنفسي ، سألت أين أمي دخلت مسرعا إلى المكان الذي كان يجلسوا فيه أبي أمي فلم أجدهم ولا يرد عليّ أحد عدت إلى أخي أين هما ؟ فبكى وقال بنبرة ملؤها حزن.. لقد مات ، الآن فقط تذكرت أن  لك أهلاً يا أخي ؟ أين كنت عنا هذه السنوات الطوال ؟ أين كنت والأيام كانت قاسية علينا كنا في يديها كغصن الشجرة الخاوي الذي ينهار مع أقل نسمة هواء ؟ أين كنت عندما احتجنا إليك لتحنوا علينا ونستظل حنانك ، لقد نسيتنا فنسيناك فاذهب حيث أتيت ، عش حياتك التي اخترتها ، فزادني هما بهذه الكلمات القاسية ، فمشيت ودموعي على خدي ولكن ما الفائدة منها وأنا قد انتهيت ، خسرت نفسي وخسرت كل شيء ، خسرت البسمة التي كانت لا تفارقني ، خسرت حبي الذي رويته من قلبي ، خسرت صورة الحياة الجميلة التي رسمتها منذ طفولتي ، فالحياة من دون الحب والأهل والأصدقاء مستحيلة ، سيظل جحودي يطاردني ولا يجعلني أهنأ بحياتي أبداً ، سيذكرني بأمي وأبي سيجعل الدمع يفارق عيني  حتى لا أبكي مكونا بركاناً داخلياً ليعذبني ويحرق كل أمل بداخلي !

محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!