أحن لحديث دار بيني وبينك يا امي!



احن إلى الكأس التي شربتِ بها وأهوى لمثواها التراب وما ضم ، أحن لحديث دار بيني وبينها وفيه عذبُ الكلام مع الحنان مقترن ، اشتقت إلى انحنائي لأُقبل يدها فبها عز ولغيرها إذلال ، أحن إلى إلقاء رأسي على صدرها وأرتوي ويداها تلتفان حول جسدي تمداني بكل الحنان وتنسياني كل هم وتحمياني ، يا أرق كلمة وأحلى معنى في حياتي ، حملتني تسعا كلها تعب ، ووضعتني ومعها بدأ سهر الليالي ، كانت لا تبالي التعب ولا تفكر بالنوم قبل أن أنام ، أماه رحلتِ عني وتركتِني وحيداً دون أنيس أو صديق يجبر كسري ، تركتِني ولم تتركي لأحد في حياتي فراغاً يسكنه ،  فقد شغلتِ كياني ووجداني وقلبي ، عيني لم تر في الدنيا غيرك ، أنت البستان ، أنت العطر الذي يفوح من زهوره ، أنت رفيقتي ودليلي في طريق يوصلني لوجهتي ، أنت الحب والحب من أجله خلق ، أنت الأخلاق السامية  ومنك كل خلق يغار، أنت كل شيء جميل نعرفه ، أنت القمر الذي يضيء سماء الناس كلهمُ ، أمي ، مهما قلت عنك لن أوفيك حقك ولن ينتهي وصفي إلى أن يوارى تحت الثرى جسدي ، ولكني أختصرها بجملة إني أحبك ولا أقوى على العيش بعدك ، كل شيء بعدك ليس له طعم ولا رائحة ولا لون ، أرى كل الأشياء مزيفة ،أمي تركتِني وحدي وأخذتِ كل المعاني معك ، نسيت معك كل المرادفات والكلمات نسيت كل شيء لقد فقدت ذاكرتي ، حاولوا أن يعرفوني عليها من بعدك وحاولوا أن يذكروني ما نسيت  ما استطاعوا، عرفوني على الحب فقلت ليس هذا ما عرفته ، كل المعاني تختلف عن معانيك يا أمي  ، كيف يريدوني أن أبدلها بصفاء قد ارتويت منه وارتوى بها قلبي ، نعم الحب هو الحب والود هو نفسه ولكن المعاني تخلو من الصدق ، أمي رحلتِ عني دون إبلاغي  لم تعطِني فرصة لأستعد لهذا ، تركتِني قبل أن أعود من غربتي ذهبت دون أن أراكِ ، تركتِني دون أن أقبل يديك وأستنشق تراب قدميك ، رحلتِ عني ورحل جسدك ولكن لن ترحل عني صورتك ، ستظل في عيني وبين رموشي من غبار الدنيا تحميك ، إني أخاف النوم كي لا تذهب صورتك عني ولو لحظة وأندم كما ندمت على الذهاب عني دون رؤيتك ، تركتِني أبكي دون دموع  أخاف أن تنزل فتجرح صورتك ، سأتركها تحرقني أنا ولا تشوه الصورة المرسومة بمقلتي ، تركتِني للعواصف تجرني دون هوادة دون أن تراعي إنسانيتي ، أمي لا أحد بعدك يعذرني إذا أخطأت ، لم أجد من يواسيني إذا بكيت ، أما أنت يا أمي فكنت تمسحين دمعي إذا بكيت وفي حضنك تضميني ، تنتظريني مهما تأخرت فمن الآن ينتظرني ، كنت  ترفضين النوم أن يزور عينك  قبل عيني ، كنت تبتسمين لرؤية بسمتي دون أن تعرفي علي أي شي ء أضحك ، يا من لا تتغيري وكل شيء يتغير ، أمي لا أنسى عندما ارتجفت من البرد في ليلة برد قاس فأتيتني وقبلتيني قبلة أحسست بالدفء حينها ، من الذي جعلك تعرفين بان البرد لفحني ، إنها الأمومة حقيقة ، فكيف بالله تريدني أن أنساكِ  فإني أنسى كل شيء ولا أنساك  يا أمي ، فقد عفني الناس إلا أنت ، فالكل ينام عند مرضي إلا أنت وتوسلتِ إلى الله حتى منه أبرأ ، كنت تقفين بالباب وتودعيني بقبلة ودعاء جميل يحفظني ، حتى عند عودتي أجدك بالباب تنتظريني ، تأخذيني بين يديك وتقبليني  قبلة أنسى معها كل وصب وتعب ، فبالله كيف بعد هذا كله أنساك ، كنت أتمنى أن يتجاوزك الموت ويتركني بكي انعم ، ولكن أرادة الله غالبة فلها السمع والطاعة ، فأرجو الله أن يتجاوز عن تجاوزي ، لقد  عفت كل شيء حتى البيت  عفت أن أدخله وأنت لست فيه تنتظريني ، فكل ركن منه له حكاية معك تذكرني ، غرفتك هممت أن أدخلها فلم أستطع ، حاولت مرة ومرات حتى مسكت يدي قبضة بابها ، فتحته فانفجرت عيني بالبكاء ، ظل كل عضو بجسدي يصرخ ، لم أجد من يمسح دمعتي كما كانت هي تفعل ، فررت من الغرفة والألم يحاصرني ، إلى صالة في وسط البيت وجدت صورتك على الجدار تزينه ، فازداد بكائي ولوعتي ، وقفت أمامها أكلمها أعاتبها على تركي وحيدا في هذه الدنيا ، أمي من سيمسح دمعتي عند بكائي ، من سيضمني عند إحساسي  بوحدة تقتلني ، أمي من سيسأل عني عند غيابي ، من يتحملني في مرضي ، من يا أمي يمرضني ، من سيفرح بفرحي ويحمل الهم عني ، أمي لقد جاء العيد فمن يجهز لي ملابسي ، نعم كبرت سني ولكن أجد نفسي أمامك طفلا يحبو ، من يوقظني في الصباح وبالورد يعطرني ، من سيقول لي في رعاية الرحمن يا ولدي ، أمي تركتِني غارقا بالهموم وحدي ، تركتِني أواجه الحياة المليئة بالأحقاد وحدي ، أنا ما زلت أكلمها سمعت الفجر ينادي ، فقلت ربي ارحمها واجمعني بها لا تؤخرني ، لقد اشتقت إليها والى حضنا كان يرويني ، ربي ارحمها كما ربتني صغيرا ، لقد سهرت عليّ الليالي الطوال دون ملل ، ربي ادخلها الجنان مع زوجات سيدنا محمد ومع مريم العذراء وكل الصالحات ، وكن معي وصبرني يا من بين الكاف والنون ، ما أعيش ببلاد ولا هي بأرضـها  ولا أبي عيوني كان ما هي قبالها ، أرض تدوس أمي بالأقدام رملها  أموت فيها وأدفن في رمالهـــا !
محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!