هل معنى الحرية التخبط والتشويش؟


بدا لنا منذ أول مشهدٍ من مشاهدِ الحرية بعد ثورة 25 يناير حتى الآن التخبط الواضح لدى البعض وعمليات التشويش الممنهجة في الشارع بين الناس، وعبر الإعلام بطرق مباشرة أو غير مباشرة وكثرة البرامج المتخصصة التي تدس السم في العسل ، والعمل على قدم وساق ببث الفُرقة بين الشعب ، وتنامي لهجة التجريح والسباب تحت مُسمى الحرية والديمقراطية ، والتركيز على تشويه صورة الإسلاميين منذ الاستفتاء على الدستور بادعاءات عارية من الصحة وبعيدة عن الحقيقة أن الإسلاميين يحثون الناس من فوق منابر المساجد على التصويت بنعم للدستور ومن يخالف ذلك فهو آثم ، وما إن جاء وقت التحضير لانتخابات مجلس الشعب وما رافقته من حملات دعائية من المرشحين وتقديم برامجهم للناس ، بدءوا بانقلاب فكري آخر في هذه المرحلة بتكتيك مُختلف بعدما فشل مخطط إسقاط الاستفتاء ، تسللوا إلى عقول الناس وإقناعهم بعملة التوازن السياسي حتى لا يتم سيطرة الإخوان والسلفيين على البرلمان وعمل توازن ديني وليبرالي وعلماني مُضاد للتيار الديني الإسلامي ، وأوهموا الشعب خاصة الأقباط بأن وصول هؤلاء إلى الأغلبية يسبب كارثة وحرق الأخضر واليابس ، وأنهم يميلون إلى فرض الجزية وتحريم السياحة وكبت الحريات وتقييد الفكر بأشكاله الإبداعية ، فلا سينما ولا تلفزيون ، ولا بكيني ولا شواطئ وكأن السياحة تختزل في الشواطئ،  وتطبيق حد الحرابة، وفرض النقاب وتقصير الثوب ، وإقامة إمارة إسلامية كما في أفغانستان والعودة إلى العصور المُظلمة ، ولو علموا معنى ما قالوه جيدا ما لفظ أحدهم حرفا واحدا على الحكم الإسلامي الذي حرر الناس من العبودية وضمن لهم العيشة الكريمة التي تضمن لهم العزة ، ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه قولة جميلة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . فالإسلام يمنع الرق ، ويمنع الظلم ، ويمنع الشفاعة في حد من حدود الله ، لقد جاء بالمساواة بين الناس ، لا فرق بين غني أو فقير ولا بين قوي أو ضعيف ، ولنا مثلا في ذلك عندما أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع لسارق فغضب وقال إن سرق فيكم القوي تركتموه وان سرق الضعيف أقمتم  عليه الحد والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، فلا ينبغي لأحد أن يشكك في الآخر بغرض إقصاءه . إن هذا بالتأكيد مُخالف للديمقراطية التي ندَّعيها وندعو إليها ، إن الانفلات الأخلاقي دائما يأتي نتاج خلفية خاطئة من منتفعين أرادوا المشهد أن يوشح بالسواد ويبقى مظلما مُقحم الظلام حتى لا يُبصر أحد الطريق السوي المؤدي إلى الهدف المرجو ، فكان للشعب قولة في ذلك ووقفوا مع من أرادوا وجاءت الرياح بما لا يشتهي هؤلاء واكتسح التيار الإسلامي المتمثل في حزب الحرية والعدالة والنور بأغلبية ساحقة في البرلمان ، وهذا ليس بالتوجيه المنبري الديني كما يدعون لكن بسبب ضعف الآخر الذي كان هو السبب في فشل حصوله على عدد كبير من المقاعد لشغله الشاغل " بخصمه" ، ثم وعي الشعب المصري الأصيل الذي اتهموه بالجهل والأمية بسبب هذا الاختيار ، إن ظل هذا الصراع الشخصي وفرض الأنا في المشهد فلن نتقدم أبدا بل سنرجع إلى الوراء مئات السنين ، سنبقى أنموذجا سيئا وغير مشرف أمام العالم بعد الموقف المُشرف الراقي خلال 18 يوما في الثورة وإجبار فرعون مصر (مبارك) على التنحي . إن هذا الانقلاب الفاضح أدى إلى تأخر تسليم السلطة في مصر، وليس كما يدعون أن المجلس العسكري هو السبب لتشبثه بالحكم ولو افترضنا ذلك جدلا أنه يُماطل ، أليس قطع أواصرنا وتشرذمنا وضعف بصيرتنا لفقه الواقع هو السبب ؟ فلا بد من لفظ الخلافات  بعيدا وتتشابك أيادينا بغض النظر عن أغلبية وأقلية ، حتى نقيم دولتنا ونبني نهضتها بعد تأخر وتراجع مُشين في ظل أنظمة أنهكت قوامها عالميا وداخليا ، وأصبحنا أقل قيمة من شعوب دول لا تزيد نشأتها عن 100 عام . إن استمرار الخلاف لن يحقق أي انتقال مرجو إلى الديمقراطية بل يسد أي طريق يؤدي إليها ، وتسود الهمجية بين الناس ويندثر الأمن وتزداد الجريمة بكل أنواعها وهذا قد يؤدي إلى الهجرة والهروب من الرعب ،  فضلا عن رفض المغتربين العودة إلى أحضان وطنه في ظل هذا الوضع السيئ الذي كنا نحن وأفكارنا السبب فيه ، إن الحنين إلى الهمجية يُلقي بنا في أحضان الضياع  والتيه ، ونصبح لقمة سائغة في فم أعدائنا وسهولة هضمنا ، إن التمويل الأجنبي من المنظمات الأمريكية للبعض في مصر خير مثال حي لذلك ، ومدى الإساءة التي عادت علينا ورضوخنا لضغوطات تدخلات سياسية بالإفراج عن المتهمين بكفالة وتهريبهم أمام أعين الناس إلى بلادهم  ، نعم إنها كارثة أخلاقية بمعنى الكلمة وعدم احترام الشعب ويبدو أن هذا الشعب سيظل كذلك إلى ما لا نهاية بعدما افتخرنا بموقف دولتنا القوي ضدهم ، إن ما يحدث السبب فيه نحن وليس غيرنا بعدما كرسنا جُل وقتنا بالبحث عن أخطاء بعضنا البعض بغرض الإطاحة ، كما يظهر الآن تنام لدى البعض بحل مجلس الشعب لأن الأغلبية لم تكن لهم شرعية  فيه غير قانونية لإصدار أمر قضائي بحلها ولو سلمنا فرضية صحته ، المفترض أن الثورة محت هذا الجور والظلم من النظام المُستبد البائد . لا بد أن تكون هذه المرحلة بداية التحول الحقيقي في نبذ الخلافات لبناء مصر الديمقراطية وهذا لن يتم إلا بقدرة الشعب نفسه فهو الوحيد الذي يملك ذلك إذا أراد طي الماضي بآلامه كلها ، والتصميم بكل عزم تجنيد كل المهارات للوصول إلى الهدف الذي ينتظره كل مصري . لا بد أن ننأى ببلدنا عن مواطن الخلاف والمهالك إلى بر الود واحترام بعضنا ، ونعلم أن التخوين وفرض الأكاذيب مؤداه واحد هو الهاوية وعندها لا ينفع الندم ، حفظ الله مصر من كل سوء ورزقها رجالا مخلصين يعملون بصدق تُرفع على أيديهم رايات العزة والكرامة للإنسان !
محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!