المنادون بالعسكر لا يريدون لمصر خيراً



نعم، وبكل أسف، مَنْ يقف وراء مطالب عودة حكم العسكر هم أنفسهم مَنْ نادوا بالأمس برحيل العسكر؛ بل بسقوطه تحت شعار الكل يتذكره "يسقط يسقط حكم العسكر". لقد تحولنا إلى عبثيين وفوضويين، ولا ندرك ما نفعله وما نُقْبل عليه من تفاهات ومراهقات سياسية متأخرة، لا أحد يصادر حق أي مواطن في التعبير عن رأيه، سواء كان سياسياً أو شخصاً عادياً؛ لكن لا بد أن يدرك صاحب هذا الحق ألا يتهم أحداً أبداً باتهامات جزافية، ويُنَصِّب نفسه حكماً ووكيلاً عن الشعب المصري الذي كَلَّ ومَلَّ المشهد الذي أصبح كابوساً بالليل شبحاً بالنهار. من حقك مقاطعة الانتخابات، سواء كنتَ مرشحاً أو مُصوِّتاً؛ لكن ليس من حقك أن تختلق حججاً واهية وادعاءات تختبئ خلفها لإشعال نار الفتن. اهرب كما شئت؛ لكن لا تبرر هذا الهروب بمواقف بطولية واهية وكاذبة، ومحاولة إقحام العسكر في المشهد السياسي هي محاولات قد جرتها أطراف عدة من قبل، كما تفعلوا أنتم مع بعض الوجوه التي مللناها، والمليونية التي لا يتعدى الحاضرون فيها سوى العشرات أساءت إلى الجيش وليست داعمة له؛ لأن هؤلاء أنفسهم سهم مَنْ سبق لهم أن طالبوا بعودة الجيش إلى ثكناته، وسيروا المسيرات التي تهتف بعدم رغبتهم في بقاء العسكر بالحكم؛ إذاً على كل عاقل أن يدرك أن هذه الدعوات ليس في صالح الجيش العظيم الذي قالت عنه "بي بى سى": "الجيش المصري هو العقبة في وجه المشروع الأمريكي". وقال محللون من إنجلترا ولبنان وسورية: "إن الجيش المصري هو العقبة الوحيدة التي تقف في وجه المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد؛ لأنه ذو قدرات وعتاد هائل، ويصنف كأقوى الجيوش في العالم، وإن قادته أصحاب احترافية وإدارة عالية، وإن أي مساس بالجيش المصري كفيل بدخول المنطقة نقطة اللا عودة، فهو الوتد الذى ترتكز عليه الأمة العربية".
جاء ذلك في لقاء "بي بي سي" الإعلامية التابعة للاستخبارات البريطانية استضافت فيه محللين إستراتيجيين من إنجلترا ولبنان وسورية لمناقشة وضع الجيش المصري وقياداته، كما أضاف المحللون أنه بحساب بسيط، فإن الجيش المصري يساوي خمسة جيوش عربية مجتمعة، وأن الدعم الأمريكي للفوضى في مصر من أجل الإطاحة بأي وجود عسكري يهدد المشروع الأمريكي في المنطقة، وذلك بعد النجاح في تدمير الجيشين العراقي والليبي، وتقسيم السودان، وبداية تفتيت الجيش السوري، فلم يتبقَ إلا الجيش المصري كعقبة أساسية ومعادلة صعبة، فعلى مَنْ يريد بمصر وجيشها خيراً أن يتركه وشأنه، وألا يجره إلى ترهات وانتهازيات نحن في غنى عنها مثل حرب الشوارع، وانشغاله بالصراع الداخلي، وترك ما هو اسمى وهو حراسة الحدود من الأعداء، وقد انتشرت مواقع داعمة للجيش منها صفحة محبي اللواء اليزل، وصفحة ضد كل مَنْ يحاول خيانة جيش بلدي، والجيش المصري الإلكتروني لمساندة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصفحة كلنا عمر سليمان، وغيرها من الصفحات التي تدس السم في العسل تحت مسمى "إلا الجيش"، وهي بعيدة كل البعد عن حب الجيش، وللأسف يدعم هذه الدعوات إعلام مُغرض عبثي كما هي الساحة الإعلامية الآن، يحارب بكل ما لديه لإسقاط نظام أتى بإرادة الشعب عبر صناديق الانتخاب.
لا بد من احترام هذه الشرعية حتى تُحترم الشرعية لمن يأتي بعده، ولا تدخل البلاد في صراعات لا تنتهي، وما يحدث هو محاولة للضغط على الرئيس من قِبَل قوى المعارضة، واستخدام ورقة الجيش باعتباره الوحيد القادر على إنقاذ البلاد من حكم الإخوان، وللواء حسن الزيات الخبير العسكري رأي في ذلك، وهو أن يتفرغ الجيش لحماية البلاد وحفظ أمنها، وألا يغرق في معارك سياسية جديدة، وما يحدث يمثل ضعف المعارضة وموقفها.
إن ما يحدث في مصر من أعمال عنف وبلطجة واستغلال حماس الشباب هو لأغراض شخصية، ولا أدري كيف ينادون بالديمقراطية، وفي الوقت نفسه يقاتلون بإبعاد فصيل سياسي قديم، له ثقله، وموجود في البلاد منذ فترة طويلة! نخلص من ذلك إلى أنه ليس من مصلحة أحد أن يكون الجيش في المشهد السياسي، والمنادون بذلك لا يريدون خيراً لمصر، ومن مصلحة مصر والجميع ألا يُقحموا الجيش في السياسة، وأن تتعامل المعارضة بحرفية، وأن تكون لديها ثقافة التحول الديمقراطي، واحترام الشرعية، ومساندة مَنْ هم في سُدة الحكم؛ من أجل البلاد والعباد، ومن أجل ألا يُحرق ما تبقى من أمل.
حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.


محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!