ذكرى رحيلك يا أبي!




في ذكرى رحيلك يا أبي عن الدنيا المملوءة بالأحقاد المعدومة الوفاء. فيها نرى الكاذب يُرفع فوق الأعناق؛ فحتمًا الصادق لا مكان له بيننا. واللص تقوم له الرجال، والشريف لا يلتفت له أحد إن لم يشعر به كل وجود. كل المعايير تغيَّرت وتبدلت إلى سوءٍ رديٍ مُنهار؛ كبنيانٌ شامخٌ بنيانه ثم في لحظة ذهبت كل معالمه فأصبح مهجورًا من الإنس مسكونًا من الجان، رحلت يا أبي عن كل المكائد وحب الذات؛ بعدما ترفعت عنها روحك من الدنا الموحولة بالمعاصي وظلام العقول، بعدما أفلت عنها شمس الحق. تأبى الشروق بعدما رحلت عنها يا أبي إلى العلا ـ بجوار الرحمن ـ يا من سهرت الليالي من أجلي وحرمت نفسك من كل لذائذ الحياة، كنت لا تتذوق أي حلو حتى يتذوقه لساني، كنت تحرم نفسك من لباس تتمناه حتى أتنعم به أمام أصحابي، لا أنس عندما مَرضت كنت تتألم مكاني برغم أنني كنت أكظم آلامي بين جنباتي؛ لكنك كنت تشعر بألمي، لأنك حبيبي وكل حياتي لا تنقص في قلبي والله حبًا أنت وأمي، كلاكما يشغل مساحات قلبي وحياتي، تعلمت منكما كيف أحب، وكيف أكون شمعة تضيءُ للناس ظلامهم حتى ولو احترق جسدي من أجلهم، وحتمية الإخلاص للعامة قبل الخاصة، تعلمت أن لا أحمل أحقادًا لأحد؛ حتى ولو كان حقود مقدام عليه، وأن لا أكون ظالمًا، وألا أضع رأسي على وسادتي وأنا كذلك إلا بعد إعتذار يقبله صاحب الحق، سطرت يا أبي كتاب حياتي بالنصائح والإرشادات التي كانت سببًا في إنارة دربي في حياتي، لكنك رحلت مع أنني لا زلت محتاجًا إليك يا أبي، أشتاق للحديث معك، أحتاج أن أُلقي همومي لتضعها تحت أقدامك لأعلوها بقامتي إلى الأمامي دون إعاقتها، أحتاج إليك يا أبي أن تمسح دمعتي وتخرجني من الطرق التي سادت الأشواك بها وأدمت قدمي، كدَّت يا أبي أن يلجمني هذا الدماء، كم أنا بحاجة إلى الجلوس معك وأشعر بالآمان من فيضان بحر الدنيا الذي أخشى أن يفيض ويغرقني ويقضي على كل أحلامي!! محتاج اليك يا أبي أن تقف معي وأصلب بك ظهري الذي حناه هذا الزمن، أحتاج توجيهاتك ووجودك في حياتي التي أنت أعمدتها، أحتاج منك أن ترفع عني ركام الدنيا التي ألقتني تحتتها بمجرد رحيلك عنها، أصبحت قعيدًا لا أستطيع الحراك وهي فوق رأسي أسيرًا تحت ترابها، أحتاج عيونك أنظر إليها حتى أنسى همومي، أحتاج يدك تلتف حول جسدي وألقي رأسي على صدرك وتذوب معها آلامي، أحتاج قدمك التي كنت ألقي نفسي تحتها كي أُقبلها مع شعوري بسعادة ذلك وأشعر برضى الله ورزق الإحسان، كم كنت يا أبي في وجودك لا أعي معنى الكوارث الحياتية ولا المشاكل وليس لها عندي أي اعتبار، كنتَ أبًا في حالة احتياجي لحنان الأب وكنتَ أخًا عندما أحتاج لمن يقف بجواري، كنت صديق عندما أحتاج إلى من أفضفض له عما في قلبي، كنتَ المُصلح لشوائب العلاقة بين الإخوان إذا حدثت، كنت حائط الصد ضد أي إعتداء من أحد، كنت أنت باب بيتنا وجدرانه، كنت أنت مأكلي ومشربي، كنت أنت فراشي وغطائي ومسكني، كنت يا أبي حبي ونور عيني التي رأبيت بها كل جميل، كنت يا أبي تحجب كل سوء عن عيني، رحلت يا أبي وتركتني عرضة لسهام الدنيا المصوبة تجاهي لا أحد يمنعني منها، تركتني أُصارع وحدي بحر الدنيا المتلاطم أمواجه يتلاعب بي حيث شاء حتى يهد جسدي بعد خواره من قوة كان يمتاز بها مُخدرها ثم يُلقيني في ميدان الرماية هدفً للرماة، لكن سأعيش على ذكراك وصورتك التي في خيالي، سأكتم الشكوى وأمنع دموعي أن تنهمر من عيوني، لم أنساك يا أبي ولن أنسى ودك وحبك ولا أنسى بسمة أضاءت يومًا حياتي، لم أنس عندما عنفتني لخطأ صدر مني ثم ذهبت واشتريت لي حلوى في منتصف الليل وجئت إلى مرقدي وأيقذتني وقبلتني من جبيني، والله لو بيدي لطلبت الليالي أن تعود حتى ولو ضربتني مقابل أن أرى وجهك الذي ينير لي حياتي، لكن ما يصبرني أنك بجوار الرحمن بدار الحق التي  ليس بها كذب ولا نفاق.

 لك الله يا أبي كما هو لي وأرجوه أن يعفو عنك ويصفح ويجعل الجنة مقر روحك وشربة من يد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعلك رفيق كل محسن مع الصحابة الكرام، وأن يجعل القرآن زادك وبيانك، ويرزقنا الفردوس الأعلى من الجنان. وسأظل دومًا مرددًا إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك ياأبي لمحزنون ولا أقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون. وداعًا حتى اللقاء يأبي.

 محمد كامل العيادي

تعليقات

  1. ياااااااااااااا الله رحمك الله يا ابى

    ردحذف
  2. لأنك حبيبي وكل حياتي لا تنقص في قلبي والله حبًا

    اشتقت اليك يا ابى

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!