ما بال ابنك يشكوك






حق الأب عظيم جدا ، ولا يقل أهمية وعظمة وإجلالا عن حق الأم ، فيرى الناس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الأم عن الأب حينما جاءه رجل عمن يبر قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك فيظن البعض أن بر ه لأُمه فقط ثم إذا فاض يكون للأب وهذا شيء فيه إجحاف للأب وفهم خاطئ لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فالأب هو الذي تعب وسهر الليالي الطوال ، وأفنى صحته بالكد والعمل من اجله، ولكي يشتد صلبه ويقوى لا تكسره الأيام بمصاعبها وهمومها، من أجلك أنت أيها الابن إذا ضاقت به السبل في بلده يهاجر ويترك كل شيء ، يتعب لترتاح ، يجوع لتشبع ، يفضلك على نفسه في ملبسه ومأكله ومسكنه ، فهو سعيد كل السعادة لسعادتك ، إذا مرضت لا ترى عينه النوم ، ولا ترى البسمة على وجهه ، فهو يشعر بأنه يرى بعينك ، وقلبه ينبض بحبك ، ودمه هو دمك ، وعندما تعافي كبوتك لا ترى أي شيء سوى ابتسامته ، وذراعه تلتف حولك في أحضانه ، ثم يبكي بكاء شديداّ لمعافاتك أيها الابن ، فأنت بالنسبة له الحياة بكل معانيها ، كبر في قلبه قبل أن تراك عينه ، هو الذي حوط عليك بروحه كي لا يؤذيك مؤذٍ ، ولا تلفحك نسمة الهواء، كيف لا وهو الأصل وأنت فرعه أيها الابن ، فراحته عندما تعيش أنت وأسرتك عيشةّ كريمة ، فلا بد أن تعرف واجب أبيك عليك وتعلم من زين العابدين عندما قال وأما حق أبيك اعلم أنه أصلك وأنك فرعه ، وأنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، واحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله  ، انتهى كلامه ، فلا بد عليك أيها الابن أن تكون بارا به ولا تكون عاقا له ، احترم جلسته ، اخضع لرغبته ، اخفض صوتك في حضوره ، فقد وجد أحد الصالحين أنه رأى رجلاّ يمشي ومعه ابنه وهو يتكئ عل ذراع أبيه فما كلمه هذا الرجل الصالح حتى فارق الدنيا ، أما اليوم فتجد الابن يكلم أباه بصوت عال بل ويجادله ، وكأنه ليس أباه ، بل يصل الأمر إلى خصامه ومقاطعته ، والأدهى من ذلك ينتظر اعتذار أبيه له ، يا له من عقوق ، وعندما يطلب الأب من ابنه بعض المال لحاجة له إليه يقدم الاعتذار ،والادعاء بقصر اليد وقلة المورد مقدما له عريضة طويلة للمراوغة والإفلات من مطالبه ، وقد
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: فاتني بأبيك ،فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه
فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟
فقال: سله يارسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيه، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناه؟فقال الشيخ: والله يا رسول الله، ما زال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي.
قال: قل وأنا أسمع قال قلت: غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت بهدوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذلم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المصاحب يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن علي بمال دون مالك تبخل ،

قال: فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال: أنت ومالك لأبيك. و سأحكي عن بعض مواقفي مع والدي رحمة الله عليه ، ليس هذا منا عليه ولا تزكية لنفسي لا والله ، بل إني أرى نفسي قد صرت كثيرا جدا في حقه ، فمهما أعطيته فلا شيء أمام لحظه من خوفه علي ، اتصل بي ذات مره وقال لي بأنه محتاج إلى شيء من المال ، ووجدت في صوته الضيق فكيف يطلب ابنه مالا ، فقلت له يا أبي أنت لا تقول إنك محتاج قل لي أرسل بالأمر فأنا ومالي لك ، فبكى ودعا لي ، مع أنها لا تتعدى كلمات خرجت من فمي ولكنها لها الأثر الكبير عليه ، فهو لا يريد مناّ ولا إحسانا منك أيها الابن ، يريد الكلمة التي تطيب خاطره ، واستغفرت ربي إنني وصلته لطلبي مالا ، وعاهدت  نفسي ألا أجعله يطلب بعد ذلك أبدا ، وكان مالي وما أعطنيه الله تحت قدميه ، إلى أن مرض وذات مرة جلست وأنا مرتدِ بذلتي الكاملة وكان توي حاضراّ من السفر ، فقال لي دلك لي جسدي ، فقلت حاضر يا أبي فلمح بذلتي فقال بدل ملابسك حتى لا تتسخ ، فقلت لا والله ما أبدلها ومسكت قدمه وقبلتها ، فحاول أن يشدها مني ، فقلت لماذا يا أبي هذه طالما تعبت علينا حتى ارتديت هذه البذلة ، فتراب قدمك هو الذي كبرني وجعلني كما ترى الآن ، رحمة الله عليك يا أبي ، بروا آباءكم تبركم أولادكم ، وأنا والله قد رأيت ذلك فعندما توفي والدي أخذت العزاء ثم رجعت إلى أولادي ، فجلست بينهم ومددت قدمي ، فوجدت ابني يقبل قدمي ويقول بحبك يا بابا ، فبكيت فقالت لي زوجتي لماذ تبكي فحكيت لها الحكاية فقالت سبحان الله ، فكما تدين تدان ِ ، بروا آباءكم تبركم أولادكم .
محمد العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!