عندما يلفُظَك بلدك

عندما لا يجد من اختاره شعبه القبول والرضا بينهم تجاهه ، بل ويرفضونه رفضا تاما ولا يحترمونه ، إذا توجد دلالات على خيانة هذا الفرد أو عدم إخلاصه تجاههم ، فدائما عندما تزداد درجة الحرارة عن الحد المسموح به ينفجر الأنبوب أو الأسطوانة التي تحويه ، فالرفض وعدم القبول لا يستطيع أي شريف تحمله أبدا من الوطن الغالي الذي له حق عليه ، بل إنه شيء صعب ومقيت ومذل في نفس الوقت ، ولو نظرنا بعين البصيرة لوجدناه هو الذي يضع نفسه في هذا المأزق والنفق المظلم ، وسباقه إلى فقد حب شعبه الذي هلل له وحمله على الأعناق ظنا منهم أنه منهم ولهم، ولكنه باع هذا كله بحضن خبثاء ارتضى أن يكون خادما لهم ، وتنفيذ مخططاتهم في تدمير بلده وشعبه ، تدمير الطرق التي سعى عليها ذات يوم ،هدم مدارس قد تعلم فيها ،واجتث الشجر الذي استظل بظله ذات يوم  عندما كان يكل ويمل من السعي ماشيا على أقدامه ، وتلويث النيل الذي ترعرع منه عوده واشتد قوامه بالشرب منه ، وتلطخ الصورة المنيرة لبلده الذي آواه وحافظ عليه من اعتداءات أي معتدي ،وبعد ذلك كله ارتضى أن يرتقي على أشلاء أهله الذين أحبوه وجعلوه فوق رؤوسهم ، أراد أن يكون في مأمن بسجن الحريات لشعبه ، أحب أن يمرح ويفرح ببكاء الناس أمامه ، مهم أن يشبع كلبه  وليس مهما أن يجوع الناس ، ارتضى أن ينام بملء عينيه ويسهر الناس ، فهذا لا يستطيع من شدة البرد والآخر لعدم مأوى له وتلك لجوعها ومغص بطنها والتوائها من شدته ،وهذا يتألم من شدة مرضه ولا يستطيع شراء علاجه ،لقد ملت الناس وكلت من الظلم الذي شربوه حتى خرج من أنوفهم ، فلا غرابة من شخص  ارتضى أن يرتمي في أحضان من هم كجبلته ،فلا صداقة لهم ولا عهد عندهم ، ولا يوجد شيء في حياتهم سوى الغدر والشيطنة  التي تسري في عروقهم بدلا من الدماء التي تسري في عروقنا،وهؤلاء الشرذمة يجيدون تجنيد من يريدونه ليكون عميلهم والتحالف معهم ضد ناسه وأهله وبلده ، وسيظل رجلهم وحبيبهم المدلل طالما يسيطر على الشعب المسكين الذي صدقه،ويظل صديقهم طالما يأخذون ما يريدون منه ، وفناء عمره وبسهره على حمايتهم وسيادتهم، عندها يملأون خزائنه بالمال والذهب والفضة ومن كل الخيرات، فالبنوك في العالم تعج بأرصدته فيها، وعندما تقل قواه وينخر الدود في عظامه وينتشر الشيب في رأسه ، ويلفظه شعبه ويخلعوه كما يُخلع الضرس بعد التسويس الذي طال مداه واشتدت آلامه ، يسارعون بالبحث الحثيث عمن يخلفه ويحل محله ،واعتقد كما يتأكدون هم بأنه يوجد الكثيرين ضعفاء النفوس والوطنية ممن يريدون هذا ويرتمون في أحضانهم رمي الطفل في حضن أمه ،مع أنه يرى بأم عينه بأن لا صداقة لهم ولا وفاء عندهم ولا إخلاص لأحد ،فالعميل آلة عندما تُعطل تلقى بالقمامة فلا وقت عندهم حتى للنظر في إصلاحها ، فالإصلاح شيء عبثي فلا بُد من الإحلال والتغيير، لإتمام مخططهم فلا يقفون عند أحد فالكل عبدا وهم السادة ، حتى إعطائهم حق اللجوء السياسي أو حتى علاجهم إذا ما احتاج الأمر لذلك محرم عليهم ، كيف لا وهم ينظرون إليه بأنه خائن وعميل ، فمن ليس فيه خير لشعبه لا يستحق النظر إليه ، وقد رأينا عبر التاريخ أناس عملوا وتفانوا للقضاء على شعوبهم من أجلهم ظنا  أنه صديق لهم، ولكنهم استغنوا عنه بمجرد لفظ بلاده وشعبه له ، ومن أمثال ذلك رئيس باكستان الجنرال( برويز مشرف) ،الذي خدمهم طيلة ثمانية أعوام ارتكب فيها الكثير والكثير في حق بلده وشعبه ، الذي وثق به وارتضاه رئيسا لهم بل وقائدا يسيرون خلفه لإصلاح بلادهم ، فتح بلده شارعا لأمريكا لضرب أفغانستان والمسلمين هناك ، جعلها مسرحا للمهازل البشعة التي ارتكبوها والتي ستظل عارا يلازمه طيلة التاريخ كله. وقد تعلم الغدر منهم عندما عقد اجتماعا سريا في أبو ظبي مع (بناظير بوتو) المعارضة واستدعائها للمشاركة في الحكم ،ثم بعدها لقت حتفها في عملية اغتيال غامضة، وأيضا ما فعله عندما اقتحم المسجد الأحمر عام 2007 الذي كان يعتصم فيه المسلمون وقتل على أثره كثيرا من المصلين وإصابة البعض الآخر بجروح خطيرة، وقد أقال بعض قضاة الدستور وهو ( افتخار تشودري) من منصبه كرئيس للمحكمة العليا الباكستانية والذي عاد بحكم محكمة إلى منصبه في نفس الشهر ، فلفظ الشعب الباكستاني هذا الطاغية واستغنت عنه من تحالف معها واختارت الشعب لا حليفها والذي خدمها كثيرا، وإذا قرأنا التاريخ لوجدنا أمثال هؤلاء الكثير من عُباد هذا الصنم الذي سيُكسر لا محالة عاجلا أم آجلا ، ومن هؤلاء المتفانين في خدمتهم ، شاه إيران( محمد رضا بهلوي) والذي خدمهم طيلة أربعين عاما قضاهم ناهرا شعبه من أجلهم، لفظه بلده فاستغنوا عنه وظل طريدا لا يستقبله أحد إلا السادات رحمة الله عليه ومكث في مصر حتى مات فيها، والطابور طويل جدا للأسف ،ومن المرتمون في أحضان الأمريكان أيضا (سوهارتو) الذي خدمهم أيضا أربعين عاما ومصيره كغيره ممن ارتضوا العمالة على شعوبهم، فالنماذج كثيرة في عالمنا للأسف الشديد ،ومنهم الرئيس العراقي صدام حسين والذي استخدموه تقريبا منذ عام 1952 م ونهايته كانت على أيديهم هم،وكذلك (إدوارد شيفارنادزه ) رئيس جورجيا ، و(بينوشيه )ديكتاتور شيلي ، و(باتيستا ) ديكتاتور كوبا، و (موبوتو ) رئيس الكونغو ، (وجان أريستيد ) رئيس هاييتي، وغيرهم الكثير والكثير ،والأغرب من ذلك عِلم من يأتي من بعدهم ويسير في نفس الطريق مع علمه بالنهاية المأساوية والقذرة التي يئولون إليها، وما حدث أخيرا في  معظم الدول العربية وأخص منها تونس ومصر ولفظ شعوبهم قادتها التي أطالوا الظلم لهم ، شُردوا كما شَردوا كثيرا من الناس، بل وذاقوا من نفس الكأس التي شربوا منها ، فهذه نفس النهاية لكل من يخون شعبه وأهله وناسه ، ويرتضي الالتحاف بأعلام بلاد غير بلدهم وبيع شرفهم وشرف بلادهم ، لقد لُفظوا وأُلقوا في مذبلة التاريخ لا ذكر لهم سوى الخيانة والعمالة ، فاحرص يا من تريد أن تكون قائدا لشعبك أن يلفظك شعبك في يوم من الأيام، اخلص وخاف الله فيهم تكون بالقلوب قبل العقول . عاش الأحرار ودُحر العملاء ، تعيش البلاد وتموت العباد ويظل التاريخ يحكي للأجيال ، دون كذب  فالتاريخ معروف بصدقه فهو لا يتجمل ولا يرحم أبدا، وسؤالي  لكل إنسان ماذا لو لفظك بلدك ؟ فإلى أين ستذهب ؟

محمد كامل العيادي
Alayadi_2100@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كم احتجت إليك اليوم يا أمي

أغار عليك!

يا الله رفعت اليك يدي !!!